محمد بن عبد الله الدويش
إن ثمرة دعوتنا للناس وخطابنا لهم تتحقق حين يفهمون الخطاب ويعقلونه ، ثم يتحول الأمر إلى سلوك عملي واستجابة .
وما لم يكن الخطاب مناسباً للناس تبلُغُه عقولهم وتدركه أفهامهم فلن يتحقق المقصود منه .
لذا صح عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( حدِّثوا الناس بما يعرفون ؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ ) [1] .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( ما أنت بمحدِّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) [2] .
وتحديث الناس بما يعرفون له جانبان :
الأول : يتعلق بأسلوب الخطاب ؛ وذلك بأن يُخاطب الناس بلغة سهلة واضحة ، وأن يبتعد المتحدث عن التقعُّر والتكلُّف والبحث عن الألفاظ الغريبة ، وقد ذم
النبي صلى الله عليه وسلم هذا المسلك فقال : ( إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها ) [3] .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(الحياء والعي شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق )[4]
قال الترمذي : والعي قلة الكلام ، والبذاء : هو الفحش في الكلام ، والبيان : هو
كثرة الكلام ، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيوسعون في الكلام ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله .
وأحياناً يدفع التكلف صاحبه إلى هجر المصطلحات الشرعية ، والبحث عن مصطلحات حادثة .
الثاني : يتعلق بمضمون الخطاب ، فليس كل ما يُعلم يقال ، والعامة إنما يُدعون للأمور الواضحة من الكتاب والسنة ، بخلاف دقائق المسائل سواء أكانت من المسائل الخبرية ، أم من المسائل العملية .
وما يسع الناس جهله ولا يكلفون بعلمه أمر نسبي يختلف باختلاف الناس ، وهو في دائرة العامة أوسع منه في دائرة طلبة العلم .
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم إمام الدعاة وقائدهم حين يأتيه رجل يسأله عما يدعو إليه ، أو يسأله عما يجب عليه أن يفعله ، يجيبه النبي صلى الله عليه
وسلم بالجمل الثابتة الظاهرة من دعوته صلى الله عليه وسلم : توحيد الله تبارك وتعالى ، إقام الصلاة ، إيتاء الزكاة ، الصوم ، الحج ، صلة الأرحام ، كسر الأوثان
... إلخ ، ولم يَدْعُ النبي صلى الله عليه وسلم أمثال هؤلاء إلى مسائل فرعية أو خفية .
ومن ذلك ترك تحديث الناس بما يُشكِلُ عليهم فهمُه ، أو يُخشى أن ينزلوه على غير تنزيله ويتأولوه على غير تأويله . قال الحافظ ابن حجر في شرحه لخبر علي
رضي الله عنه : ( وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ، ومالك في أحاديث الصفات ، وأبو يوسف في
الغرائب ، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين ، وأن المراد ما يقع من الفتن ، ونحوه عن حذيفة . وعن الحسن
أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين ؛ لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي ) [5] .
فحري بالدعاة إلى الله تبارك وتعالى أن يتدارسوا هذه الآداب ، ويعتنوا
برعايتها وتطبيقها .
________________________
(1) رواه البخاري (127) .
(2) رواه مسلم في مقدمة الصحيح .
(3) رواه أحمد (6507) ، وأبو داود (5005) ، والترمذي (2853) .
(4) رواه أحمد (21809) ، والترمذي (2027) .
(5) فتح الباري ، ج 1 ، ص 272 .
موقع طريق الدعوة
إن ثمرة دعوتنا للناس وخطابنا لهم تتحقق حين يفهمون الخطاب ويعقلونه ، ثم يتحول الأمر إلى سلوك عملي واستجابة .
وما لم يكن الخطاب مناسباً للناس تبلُغُه عقولهم وتدركه أفهامهم فلن يتحقق المقصود منه .
لذا صح عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( حدِّثوا الناس بما يعرفون ؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ ) [1] .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( ما أنت بمحدِّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) [2] .
وتحديث الناس بما يعرفون له جانبان :
الأول : يتعلق بأسلوب الخطاب ؛ وذلك بأن يُخاطب الناس بلغة سهلة واضحة ، وأن يبتعد المتحدث عن التقعُّر والتكلُّف والبحث عن الألفاظ الغريبة ، وقد ذم
النبي صلى الله عليه وسلم هذا المسلك فقال : ( إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها ) [3] .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(الحياء والعي شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق )[4]
قال الترمذي : والعي قلة الكلام ، والبذاء : هو الفحش في الكلام ، والبيان : هو
كثرة الكلام ، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيوسعون في الكلام ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله .
وأحياناً يدفع التكلف صاحبه إلى هجر المصطلحات الشرعية ، والبحث عن مصطلحات حادثة .
الثاني : يتعلق بمضمون الخطاب ، فليس كل ما يُعلم يقال ، والعامة إنما يُدعون للأمور الواضحة من الكتاب والسنة ، بخلاف دقائق المسائل سواء أكانت من المسائل الخبرية ، أم من المسائل العملية .
وما يسع الناس جهله ولا يكلفون بعلمه أمر نسبي يختلف باختلاف الناس ، وهو في دائرة العامة أوسع منه في دائرة طلبة العلم .
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم إمام الدعاة وقائدهم حين يأتيه رجل يسأله عما يدعو إليه ، أو يسأله عما يجب عليه أن يفعله ، يجيبه النبي صلى الله عليه
وسلم بالجمل الثابتة الظاهرة من دعوته صلى الله عليه وسلم : توحيد الله تبارك وتعالى ، إقام الصلاة ، إيتاء الزكاة ، الصوم ، الحج ، صلة الأرحام ، كسر الأوثان
... إلخ ، ولم يَدْعُ النبي صلى الله عليه وسلم أمثال هؤلاء إلى مسائل فرعية أو خفية .
ومن ذلك ترك تحديث الناس بما يُشكِلُ عليهم فهمُه ، أو يُخشى أن ينزلوه على غير تنزيله ويتأولوه على غير تأويله . قال الحافظ ابن حجر في شرحه لخبر علي
رضي الله عنه : ( وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ، ومالك في أحاديث الصفات ، وأبو يوسف في
الغرائب ، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين ، وأن المراد ما يقع من الفتن ، ونحوه عن حذيفة . وعن الحسن
أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين ؛ لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي ) [5] .
فحري بالدعاة إلى الله تبارك وتعالى أن يتدارسوا هذه الآداب ، ويعتنوا
برعايتها وتطبيقها .
________________________
(1) رواه البخاري (127) .
(2) رواه مسلم في مقدمة الصحيح .
(3) رواه أحمد (6507) ، وأبو داود (5005) ، والترمذي (2853) .
(4) رواه أحمد (21809) ، والترمذي (2027) .
(5) فتح الباري ، ج 1 ، ص 272 .
موقع طريق الدعوة