ما نعم إنسان بحب صديق , كما نعمت
أنا بحبه , وما تمنيت في حياتي أكثر من هذا الحب , عوض عنى فقد أبى ,
وحرماني الإخوة , كان أخي وصديقي ورفيق عمري , قضيت اسعد أيام حياتي في ظله
.
تعرفت عليه من
خلال سنوات الدراسة , وكنا كأي شابين صغار , يمرحون ويجولون , كان مرهف
الحس , جميل المشاعر , الأمر الذي جعل كل من تعرف عليه , أن يكن له الحب ,
وكانت هي صديقه لنا , يحبها وتعشقه , ولست أدرى أكلمه عشق كافيه لوصف ما
كانت تكنه بداخلها لصديقي أم لا ؟, مضت سنوات الدراسة في سرعه البرق , وقرر
بعدها أن يتقدم لخطبتها , وكم كان يوم عظيم , أنى لأتذكر تفاصيله حتى ألان
....
هذا الشاب الأنيق الوسيم ,صاحب
البسمة المضيئة , مرتدي بذلته السوداء الآمعه , وهذه الفتاه الجميلة ,
صاحبه البشرة البيضاء الناصعة , ممشوقة القوام , الحرير الناعم يقطن على
كتفيها , مرتديه فستان ازرق جميل , شع منه ضوءً خافتاً , يجلسان يتبادلا
دبل الخطوبة , وتلك المراسم المنظمة الدقيقة للتتويج خطيبين , ما رأيت في
حياتي أجمل منهم . نعم أتذكرها جيدا , ما غابت عن عيني ولو لبرهة .
من كان يتخيل أن القدر قد يفرق بين
قلبين محبين كهاذين؟ .
يا الهي ...
ذهبنا إلى بلاد الغرب في رحله , لا يعلم مصيرها إلا الله ! ,
بعد أن تركنا لها آلماً لن يزول ! ,
من خلال رساله يعملها فيها بأنه سيتزوج بغيرها , من فتاه زو مال وثراء مثله
, ! , مسببين لها حاله من الحزن الدفين , دون أن نعلمها ما سر تلك الرساله
, ولماذا تركها صديقي وحيده دون أن تبدى أيً من مظاهر السوء أو البغض ,
كانت رغبته في الانفصال بهذه الطريقة , لكن الفتاه كذبت عينها ولم تراه
بهذا السوء , وظلت تكذب وتكذب ..... حتى جاء يوم وتعبت من كثره رفض العرسان
, ومن الحاح والدها بالزواج , فتزوجت من احدى المتقديمن لها ...........
مر شهرين وبضعه أيام علينا في بلاد
الغرب , وعلمت أن الفتاة تزوجت , وقتها قررت أن اعلم صديقي بهذا الخبر ,
فدخلت عليه في غرفته وحدثته :
_ لقد تم زواجها منذ يومين
_ حقا ؟
_ نعم يا صديقي لقد تزوجت
سمع الخبر ولم ينبس ببنت شفه , بل
اطرق رأسه , ثم أشار لي بالذهاب
خرجت من الغرفة ودموعي تنهمر عليها ,
وقلبي يتمزق لأجل ألآمهم, فأنهم ضحيتان لم يقترفوا ذنب ! .
وبعد يومين فقط ,رأيت صديقي وقد اشتد
الألم عليه , وجعله ينزف نزفا شديدا , وأغرقت الدماء فراشه وملابسه ,
ووجدت نفسي اضرب بقدمي باب الغرفة فأتجه مسرعا ادفع كل من يحول بيني وبين
الوصول لطبيب المشفي , تسللت الدرج حتى وصلت إلى غرفه الطبيب , وأمسكت به
وأنا اصرخ وابكي على صديقي , حتى أن الطبيب لم تعد لديه فرصه للنطق بكلمه
واحده , فوجد نفسه مسحوبا إلى الغرفة , وما أن وصلنا إلا ووجدته يلتقط
أنفاسه الأخيرة , وهرول الطبيب بوضع الأكسجين على فمه , ولكن قد نزعها
صديقي والقي بها في سله بجواره , ثم طلب الحديث إلىّ , انحنيت له كي استمع
إليه لأخر مره , حيث قال لي ّ:
_ لا تخبرها بمرضى يا صديقي
_ لا عليك من هذا ألان , الطبيب
طمأنني
_ أنصت إلىّ
جيداً , فقد فات الأوان على إنقاذي , أنا اشعر بسكرات
الموت تداهمني الآن , ادعى لي
بالرحمة , ولا تعلمها بمرضي
تركته لامسك بعنق الطبيب :
_ ما من طريقه أخرى أي أحمق أنت ,
انه يحتضر , أفعل شيء أيها الغبي
وما جدوى كل ذلك ؟, فقد سقط من على
سريره ملقى على الأرض , بعد أن غرق فى دماءه ومات ...
يا الله هذا هو القدر , القدر الذي
اخذ منى صديقي , وتركني في ظلمات بعده , انه القدر الذي فرق بينه وبين
حبيبته , ويالة من قدر .
وعدت إلى
بلادي مره أخرى ومعي صديقي , لكنه هذه المرة , ليس ماشيا على قدمه , بل
محمولا على الأكتاف داخل تابوت ,وتمت مراسم الدفن ,وأنا ادفع كل من يزج بي
ليبعدني عن حمله ووضعه داخل القبر , وهل من عزيز غيره احمله !, وقصدت بيتي
بعدها و كلماته الأخيرة , صوتا يراودني في يقظتي , وفى أحلامي ما كانت
تتركني , وعشت شهور من الحزن على صديقي , أحياها ما بين بيتي وبيته! , بل
قبري وقبره , فقد أصبح بيتي قبرا , بل وكل مكان ,واعتدت الذهاب إلى قبره كل
ليله اجلس بجواره أحادثه وأحاوره , أتبادل معه الضحكات العالية كما كنا
نفعل في الماضي , أشكو له بثي وحزني , واسرد له فرحى وسروري , واذهب من
هناك ودموعي تغرقني .
ومرت الأيام
على تلك الوتيرة , حتى شاء القدر أن أقابلها مرة أخري, في إحدى الأماكن
العامة تجلس وحدها , وكذبت عيني , حتى جاءت إلىّ :
_ من؟ ., أنت ؟
_ نعم أنا ,
_ من يصدق بعد طوال بعاد ألقاك هنا ؟
_ القدر كفيل بذلك , تفضلي
وتجاذبنا سويا أطراف الحديث ,
وسألتها عن زوجها , فأعلمتني بانفصالها عنه بعد مرور شهر واحد من الزواج ,
ودعاني ذلك أن اعلم منها السبب . فقالت أنها لم تشعر بأنها قادرة على
العطاء إلا لرجل واحد , فقلت لها من هو , فقالت : انه صديقك الذي تركني
وذهب لغيري
وقتها دوت في
مسامعي صدى كلمات صديقي " لا تخبرها بمرضى" , لكنى لم أتحمل أن أراها تحمل
كل هذا الحب , وتظن به الفراق لغيرها , بل وجدت نفسي أقص لها ما حدث
بالتفصيل , وانه كان مريض "بسرطان الدم " وأننا ذهبنا للخارج , في رحله عبر
الأمل في علاجه في كبرى المستشفيات بعد أن أكد الأطباء هنا انه يحيا أيامه
الأخيرة , وان هناك امل واحد وهو العلاج فى الخارج , وما كان ليخدعها في
يوم , بل كانت الرساله حيله كي تنساه دون أن يشعرها بألم فراقه , أو التشبث
به وهو نصف ميت .
وما أن أتممت
حديثي , حتى أخذت في بكاء منهمر , وبكيت معها , ولما لا ابكي ألان؟ , ولما
أدارى عنها دموعي ؟, فما فارقتني الدموع من وقتها , ثم طلبت منى الذهاب إلى
قبره , ووصلنا سوياً , وجددت البكاء ثانيه , ولكن هذه المرة كانت تتحدث
معه , تعاتبه على فراقها , فلم تطمع منه بالكثير , فقط زواج ولو ليوم واحد ,
فهذا أعظم ما كانت تتمنى . ووقفت أتأمل هذا المشهد , حتى انهارت في البكاء
, عندما قالت
: ليتني مت
فداك .
وشددت على يدها , وصلبتها لأعطيها منديلا لتجفف دموعها ,
بعد أن وعدتها أن نأتي كل يوم إلى هنا بعد أن أصبحنا (بقايا أنسان) , فرحم
الله ثلاثيتنا
اسئلكم الدعاء لحال الامة الاسلامية
؟؟؟