ليس هناك أحد لم يتعرّض في يوم
من الأيام لظروف طارئة أو حادثة عابرة حلّت به ألجأته لطلب المساعدة من
غيره لكي يزيل ما طرأ عليه وما حلّ به دون أن يُعرّض نفسه لذُل السؤال أو
إهانة الكرامة أو الشعور بالمهانة، لذلك حفظ الإسلام للنّاس حياءهم، وحافظ
على ماء وجوههم، وأعلى كرامتهم عندما فتح بابًا للمعاملات بين النّاس
بالمعروف، يربط الصلة بين الغني والفقير، ويؤكّد أواصر المحبّة بين القوي
والضعيف، ويساعد على وجود الرفق في حالات العسرة والضيق وتوفر الرحمة بين
العباد في تفريج كربهم وتيسير أمورهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''مَن
نفّس عن مسلم كُربَة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم
القيامة، ومَن يسّر على مُعسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في
عون العبد ما كان العبد في عون أخيه'' رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
فضل الإقراض
يتصوّر البعض أنّ الإقراض ليس فيه ثوابًا، لأنّ المال يعود
مثلما ذهب، فلا فضل فيه ولا ثواب عليه، ولكن الأمر على عكس ذلك، فإنّ فضله
كبير وثوابه عظيم.
عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''ما من
مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرّتين إلاّ كان كصدقتها مرّة'' رواه ابن ماجه وابن
حبان. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
''رأيت ليلة أُسْرِيَ بي على باب الجنّة مكتوبًا: الصدقة بعشر أمثالها
والقرض بثمانية عشر، فقلتُ: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال:
لأنّ السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلاّ عن حاجة''.
حسن الوفاء
يجب على المسلم أن يعلَم أن أموال النّاس ليست كَلاً
مُباحًا يرتع فيه كيفما شاء وحيثما أراد، ولكنّها مصونة ومحفوظة ولا يجوز
أكلها بالباطل، أو استمرار طلبها من أصحابها فيما يستحق وما لا يستحق.
ويجب عليه أيضًا أن يحافظ على إقامة المعروف بين النّاس، ولا يساعد على
إشاعة القطيعة بين المسلمين، وزرع بذور الشقاق بين المؤمنين، ونزع القدر
المتبقي من الثّقة بين النّاس، ويعجّل بأداء ما عليه من دَيْنٍ إذا حلّ أجل
الوفاء، أو يسّر الله عليه بالرزق، ولا يكون شأنه شأن المسوفين
والمماطلين، ولا يجوز للدائن اشتراط الزيادة في القرض، فإنّ ذلك يحرم
اتفاقًا.
كتابته
وتندب كتابة الدَّيْن لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمـًّـى
فَاكْتُبُوهُ...} البقرة:.282 والأمر بالكتابة هنا المراد به التسجيل
والإشهاد، وتكون الكتابة شاملة جميع الأوصاف المبيّنة له، المعرفة إيّاه.
الصبر على المعسر
إذا تعرّض المدين إلى ضيق وشدة، وحلّ عليه إعسار وكُربة،
فيُطلَب الصبر عليه، والرفق به، وإنظاره إلى حين يأتي الفرج وتزول الضائقة
والغمة، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسُرَة} البقرة:280، وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنّه طلب غريمًا له
فتوارى منه ثم وجده، فقال: إنّي معسر، فقال: آللهِ؟ (الهمزة ممدودة على
الاستفهام، والهاء مكسورة) قال: آللهِ، (الهمزة من غير مد، والهاء مكسورة)،
قال: فإنّي سمعتُ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول: ''مَن سَرّه
أن يُنجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه'' رواه
مسلم.
التجاوز عن المعسر
هناك بعض النّاس يسارع إلى المعروف ويحرص عليه، فعندما
يجدون كريمًا أبيًا وقع في إعسار ليس له به طاقة، أو سقط في ضيق أو نزل به
بلاء، وما أكثر البلاء في هذه الدنيا، فإن لم تكن هذه هي فرصة الأخيار من
النّاس للوقوف بجوار إخوانهم، وبذل المعروف لهم وإشعارهم بأنّهم ليسوا
وحدهم، ولكن لهم إخوان في الدِّين والعقيدة، يدركون إحساسهم ويعيشون
همومهم، ويقفون بجوارهم في محنتهم، فمَن ذَا الّذي يفعل ذلك؟ مَتى تكون
الشهامة والمروءة والإقدام؟
أكل الدَّيْن من أكبر الذنوب
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم قال: ''مَن أخذ أموال النّاس يُريد أداءها أدّى الله عنه، ومَن أخذ
يُريد إتلافها أتلفه الله'' رواه البخاري. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله
عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''يُغفر للشّهيد كلّ ذنب إلاّ
الدَّيْنَ'' رواه النسائي وأبو داود.