تقول الرواية إن الأرض تسخن في اليونان وتثور في إيطاليا، إشارة إلى كثرة الينابيع في اليونان، وإشارة إلى البراكين التي تثور في إيطاليا، وهذا الكلام له مصداقية جغرافية واقعية، فتتمتع اليونان بجزرها العديدة ومنتجعاتها السياحية والمنتشرة على هذه الجزر الجميلة، والتي زادتها الطبيعة فوق هبة المناظر الجميلة وهبتها الينابيع الساخنة، ففي اليونان يوجد 752 نبعا ساخنا، بعضها ينفث الماء ساخنا إلى الطبقات العليا ليصنع منها نافورة طبيعية، وبعضها ينساب منها الماء المعدني محملا من باطن الأرض بخيراتها الصحية المعدنية. ولا توجد مدينة أو جزيرة بدون هذه المنحة الطبيعية.
متعة قديمة!
تقول الأساطير إن الإغريق أول من استخدم هذه الينابيع للاستجمام الصحي، وإنها كانت معروفة لديهم منذ خمسة آلاف عام مضت، وإنها منحة من آلهتهم لتذكرهم بأن العلاج ليس في بيوتهم، وأن آلهتهم أكرمتهم بأن اقتطعت لهم ينابيع من الجنة وأنزلتها إلى الأرض، ووضعتها لهم وسيلة للعلاج، وعليهم البحث عنها حيث توجد هذه الينابيع الساخنة، والتي جعلتها تختلف عن الينابيع الأرضية الباردة.
وأصبحت هذه الينابيع مزارا لكبار فلاسفتهم وقادة جيوشهم الغازية التي تمتلئ كتب التاريخ بذكرهم، فقد كانت هذه الينابيع أحد الملهمات الأرضية للفيلسوف أرسطو، وأفلاطون، واما قائدهم (سولا) فقد كان يقضي نهاية كل أسبوع في منتجع خاص به، يحمل اسمه حاليا، وشيد منتجع وفندق ومصحة تحمل نفس الاسم.
الطين والفواكه
في هذه المصحات الطبية، يقدم أنواع عديدة من العلاج الترفيهي، والذي يعالج النفس القلقة قبل معالجة الجسم المنهك، فإن بقاء الإنسان داخل هذه الحمامات فترة طويلة بعيدا عن هموم الحياة ومشاكلها، وبمداعبات نوا فير المياه الساخنة لكل جزء من جسمه، يحدث له هذا في جو يغلب عليه الجمال والراحة والأكل اللذيذ والجديد على لسانه، فإن هذا يغسل الهموم ويزيل الأوساخ من العقل المشوش، ويعيد الصفاء اليه.
وإحدى الحيل التي تقدمها هذه المصحات للانتعاش النفسي ما تقدمه من علاجات ذات نوعية غريبة، فهي لا تكتفي بما تقدمه هذه المياه الساخنة من ارتخاء للأعصاب، أو انتعاش للجسم، بل ان بعضها يستخدم العلاج المطول والذي يبتدئ بالطين كوسيلة للعلاج، حيث يتم تغطية الجسم بالطين، وهو طين خاص عادة يحضر للمصحات من المغرب أو من الأردن، لوجود طين مشع كما، تتطلب وصفة العلاج، ويترك هذا الطين على الجسم لمدة تزيد عن ساعة، ثم يزال عنه الطين بحمام منعش. ليكون مستعدا للمرحلة الثانية من العلاج.
معجون الفواكه
بعد أن يكون هذا النزيل قد ترطب جسمه وتفتحت مسامه بعد خلطة الطين، فإنه ينتقل إلى المرحلة التالية من العلاج، فيغطي هذا الجسم بمعجون الفواكه، بادعاء أن هناك معادن وأملاحا هامة يمكن أن يمتصها الجسم من هذا الخليط من الفواكه اللذيذة، فهناك معجون العنب والمشمش، وهناك معجون الخيار واللبن، واما الحليب وزيت الزيتون فإن خليطهما يعتبر مادة جيدة لتغذية الجلد من الخارج وليس من داخل الجسم.
ويترك هذا الخليط على الجسم ساعة أخرى، لينهض النزيل وهو يشعر بأنه أصبح أكثر صحة وأكثر انتعاشا.
وليس هذا فقط، بل إن التغيير في وسيلة العلاج هي أحد أهداف هذه المصحات، فهي لا تقدم وصفة واحدة دائمة، فلو بقي النزيل مدة أسبوع في هذه المصحات، فإنه سيتنقل من فكرة علاجية إلى أخرى، وكأنه يتذوق أنواعا من الأطعمة.
الأسرّة الزيتية إحدى أنواع العلاجات المقدمة في هذه المصحات، حيث ينام النزيل على سرير مائي ولكن الحفته متشربة بالزيوت بأنواعها فهناك لحاف زيت الزيتون ولحاف بتشكيلة من أنواع الكريمات الجلدية، وهناك الألحفة المتشبعة بأنواع المرطبات الجلدية.
ويترك النزيل في هذه الغرف ينتظر مرور الزمن المطلوب بتسلية أخرى، وهي مشاهدة أنوع أخرى من العلاجات تعرض عليه على قنوات تلفزيونية خاصة، ليقتنع بها ولينتقل إليها راغبا ومشتاقا.
آخر العلاج الأكل!!
يستمر تنقل النزيل من سرادق الى آخر بجو مفعم بالجمال والرائحة الطيبة، والعناية الفائقة، حتى تنتهي مرحلة العلاجات الخارجية على الجسم والروح، وينتقل النزيل بعدها هذا إلى متعة أخرى، ولكنها جزء من مراحل العلاج، وهو الطعام الفاخر الذي تقدمه هذه المصحات الفخمة، فهي تعلم أن النزيل يبحث عن الصحة، لذا فإن قائمة الطعام تحتوي على الأطباق الشهية وغير الضارة بالصحة، بل إنها المتعة القصوى التي يشعر بها النزيل حيث يسمح له عادة بأكل ما يشاء وبأي كمية، ولا خوف عليه من التخمة أو زيادة الوزن، فكل الأطعمة من النوع الذي يملأ المعدة بدون أن يسيء إلى الجسم، فالطعام يغلب عليه الفواكه والخضراوات المقدمة بطريقة مشبعة للمعدة والروح والسان الذواق.
الطبيب لا يغيب!
هذه المنتجعات تقوم على السياحة عامة، ولكنها تزيد من شريحة السياح بتقديمها خدمة أخرى تنال استحسان وقبول الزائر للمنطقة والمنتجع، فهي بجانب أنها تقدم الخدمات السياحية، تضع أيضا لها شعارا هاما وفعالا وهو السياحة الصحية، وهذه المنتجعات تهتم فعلا بما تقوله، فعادة يوجد في هذه المصحات السياحية استعدادات صحية كبيرة، فريق كامل من الأطباء في أغلب التخصصات ذات العلاقة مثل أمراض الجلد والروماتيزم وأمراض المسالك البولية، وكذلك أطباء التجميل والصحة النفسية، لذا فإن السائح سيجد الاهتمام به والعناية الطبية الفائقة في حالة احتياجه إليها.