النسبة وأحكامها

إذا أَلحقتَ بآخر اسم ما مثل (دمشق) ياء مشددة للدلالة على نسبة شيءٍ إليه فقد صيرته اسماً منسوباً فتقول: (هذا نسجٌ دمشقيٌّ)، وإضافتك الياءَ المشددة إِليه مع كسر آخره هو النسبة. وينتقل الإِعراب من حرفه الأخير إلى الياء المشددة.

يعتري الاسم المنسوب مع التغيير اللفظي المتقدم تغييرٌ آخر هو اكتسابه الوصفية بعد أَن كان جامداً ويعمل عمل اسم المفعول في رفعه نائبَ فاعل ظاهراً أَو مضمراً مثل: (هذا نسج دمشقيٌّ صنعُه، هذا نسج دمشقي) لأَن معنى دمشقي (منسوب إلى دمشق)، فنائب الفاعل في المثال الأول (صنعُه) وفي المثال الثاني ضمير مستتر تقديره ((هو)) يعود على (نسج)، كما لو قلت (يُنْسَب إِلى دمشق).

قاعدة النسبة:

الأَصل أَن تكسر آخر الاسم الذي تريد النسبة إِليه ثم تلحقه ياءً مشددة من غير تغيير فيه مثل (علم: علمي، طرابلس: طرابلسي، خلق: خلقي..إلخ)

لكن الاستقصاءَ دل على أَن كثيراً من الأَسماء يعتريها بعض تغيير حين النسب نظراً لأَحوال خاصة بها وإِليك هذه التغييرات:

1- المختوم بتاء التأنيث: تحذف تاؤُه حين النسب مثل: (فاطمة، مكة، شيعة، طلحة) تصبح بعد النسب: فاطمي، مكي، شيعي، طلحي.

2- المقصور: إن كانت أَلفه ثالثة مثل (فتى وعصا) قلبت واواً فنقول: (فتوِيّ وعصويّ).

وإِن كانت رابعة فصاعداً حذفت، فمثل: (بردى وبُشْرى ودوما ومصطفى وبخارى ومستشفى) تصبح بعد النسب: (بردِيّ وبُشْري، ودُومِيّ، ومصطفيّ، وبخاريَ، ومستشفيّ).

أجازوا في الرباعي الساكن الثالث مثل بُشْرى وطنطا قلب ألفها المقصورة واواً فيقال: بُشْروي وطنطوي، وزيادة ألف قبل الواو فيقال: بشراوي وطنطاوي؛ إلا أن الحذف فيما كانت أَلفه للتأنيث كبشرى أحسن. وقلب الأَلف واواً فيما عداها مثل (مسعى) أحسن.

3- المنقوص: يعامل معاملة المقصور فتقلب ياؤه الثالثة واواً مثل (القلب العمي) تصبح في النسب (القلب العمويّ)، وتحذف أَلفه الرابعة فصاعداً مثل (القاضي الرامي، والمعتدي، والمستقصي) فتصبح بعد النسب (القاضيّ الراميُّ، والمعتديّ، والمستقصيّ).

ويجوز في ذي الياء الرابعة إذا كان ساكن الثاني قبلها واواً أيضاً فنقول: القاضوي الراموي، ونقول في تربية: ترْبِيّ وتربويّ، وفي مقضيّ (اسم المفعول) مقضيّ ومقضوي.

4- الممدود: إن كانت أَلفه للتأْنيث قلبت واواً وجوباً، فقلت في النسبة إلى صحراء وحمراء: صحراوي وحمراوي.

وإِن لم تكن للتأْنيث بقيت على حالها دون تغيير، فننسب إلى المنتهي بأَلف أَصلية مثل وضَّاء وقُرّاء (بمعنى نظيف وناسك) بقولنا: قرائيّ ووضائيّ، وإِلى المنتهي بهمزة منقلبة عن واو مثل (كساء) أَو ياء مثل (بناء) بقولنا: كسائي وبنائي، وإلى المنتهي بهمزة مزيدة للإِلحاق مثل (عِلْباء وحِرْباء) بقولنا: علبائي وحِربائي.

وأجازوا قلبها واواً في المنقلبة عن أَصل وفي المزيدة للإِلحاق فقالوا: كسائي وكساوي، وبنائي وبناوي، وعلبائي وحربائي وعلباوي وحرباوي. وعدم القلب أحسن.

5- المختوم بياء مشددة: إذا كانت الياءُ المشددة بعد حرف واحد مثل (حيّ) و(طيّ) رددتَ الياء الأُولى إلى أَصلها الواو أَو الياء وقلبت الثانية واواً فقلت: حيوي وطووي.

وإن كانت بعد حرفين مثل (عليّ وقُصيّ) حذفت الياء الأُولى وفتحت ما قبلها وقلبت الياء الثانية واواً فقلت: علَويّ وقُصويّ.

وإن كانت بعد ثلاثة أَحرف فصاعداً حذفتها فقلت في النسبة إلى (كرسيّ وبختيّ والشافعي): كرسِيّ وبختيّ والشافعي. فيصبح لفظ المنسوب ولفظ المنسوب إليه واحداً وإن اختلف التقدير  النسبة وأحكامها  1109.

6- فُعَيْلة أو فَعيلة أو فَعولة في الأعلام:  النسبة وأحكامها  1109 مثل جُهَيْنة وربيعة وشنوءَة: تحذف ياؤُهن عند النسب ويفتح ما قبلها فنقول: جُهَنيّ وَرَبَعيّ وشَنئيّ، بشرط ألا يكون الاسم مضعَّفاً مثل (قُلَيْلة) ولا واوي العين مثل (طويلة) فإن هذين يتبعان القاعدة العامة.

7- ما توسطه ياء مشددة مكسورة: مثل طيِّب وغُزَيِّل وحُمَيِّر، تحذف ياؤُه الثانية عند النسب فنقول طيْبِيّ وغُزَيْليّ وحُمَيْريّ.

8- الثلاثي المكسور العين: تفتح عينه تخفيفاًَ عند النسب مثل: إِبِل، ودُئل (اسم علم)، ونَمِر، ومِلك فنقول: إِبَليّ، ودُؤَليَ، ونَمَرِِيّ، ومَلَكيّ.

9- الثلاثي المحذوف اللام: مثل أَب وابن وأَخ وأُخت وأَمة ودم وسَنةٍ وشفة وعَمٍ وغدٍ ولغةٍ ومئةٍ ويدٍ، ترد غِليه لامه عند النسب فنقول: أَبويّ وبَنَويّ وأَخويّ، وأُمويّ ودموي وسنوي وشجوي وشفهي (أَو شفوي) وعمَوي وغدَوي ولُغَوي، ومئوي ويدوي.

10- الثلاثي المحذوف الفاء: الصحيح اللام منه مثل (عدة وزنة) ينسب إليه على لفظة فنقول: عِديّ وزِنيّ، والمعتل اللام منه مثل شية (من وشى) ودية (من ودى). يرد إليه المحذوف فنقول في النسب إِليهما: وِشَوِيّ، وِدَوِيّ.

11- المثنى والجمع: إذا أُريد النسب إلى المثنى والجمع رددتهما إلى المفرد فالنسب إلى اليدين والأَخلاق والفرائض والآداب والمنْخَرين: يدوي وخُلُقي وفَرَضي وأَدبي ومِنخري.

فإن لم يكن للجمع واحد من لفظه مثل أَبابيل، ومحاسن، أَو كان من أَسماء الجموع مثل قوم ومعشر، أَو من أَسماءِ الجنس الجمعي مثل عرب وترك وورق، أَبقيتها على حالها في النسب فقلت: أَبابيليّ ومحاسنيّ وقوميّ ومعشريّ وعربيّ وتركيّ.

وما أُلحق بالمثنى والجمع السالم عاملته معاملته مثل بنين، واثنين، وثلاثينّ، فالنسبة إِليها: بنويّ وإثني (أَو ثنوي) وثَلاثي.

وأما الأعلام المنقولة عن المثنى أو الجمع فإن كانت منقولة عن جمع تكسير مثل أوزاع وأَنمار نسبت إليها على لفظها فقلت: أَوزاعي وأَنماري. وما جرى مجرى العلم عومل معاملته فنقول ناسباً إلى الأَنصار: أَنصاري.

فإن كانت منقولة عن مثنى مثل الحسنيْن والحرمين أو جمع سالم مثل (عابدون) و(أَذرعات) و(عرفات) رددته إلى مفرده إن كان يعرب إعراب المثنى أو الجمع فقلت: حسنيّ، حرميّ، عابديّ، أَذرعي وعرَفي.

وإن أعربت بالحركات مثل زيدونٍ وحمدونٍ، وزيدانٍ وحمدانٍ وعابدينٍ نسبت على لفظها فقلت: زيدوني وحمدوني وزيداني وحمداني وعابديني.

وإذا عدل بالعلم المجموع جمع مؤنث سالماً إلى إعرابه إعرابَ ما لا ينصرف مثل (دعْدات وتمرات ومؤمنات) حذفت التاء ونسبت إلى ما بقي كأَنها أسماءٌ مقصورة فقلت دعْدي ودعْدوي، وتمَري ومؤمنيّ.

12- المركب: ينسب إلى صدره سواءٌ أَكان تركيبه تركيباً إسنادياً مثل (تأَبط شرًّا) و(جاد الحق)، أَم كان تركيباً مزجياً مثل بعلبك ومعد يكرب، أَو كان تركيباً إضافياً مثل: تيم اللات وامرئ القيس ورأس بعلبك ومُلاعب الأَسنة.. تنسب في الجميع إلى الصدر فتقول: تأَبطيّ، وجاديّ، وبعليّ، ومعدويّ، وتيميّ، وامرئي، ورأسي، وملاعبيّ.

فإن صُدِّر المركب الإضافي بأَب أَو أُم أَو ابن مثل أَبي بكر وأُم الخير، وابن عباس، نسبت إلى العجز فقلت: بكري، وخيري، وعباسي.

وكذلك إذا أَوقعتِ النسبةُ إلى الصدر في التباس كأَن تنسب إلى عبد المطلب وعبد مناف وعبد الدار وعبد الواحد، ومجدل عنجر، ومجدل شمس، فتقول: مطلبي ومنافي وداري وواحدي وعنجري وشمسي  النسبة وأحكامها  1109.

* * *

شواذ النسب:

الحق أَنهم ترخصوا في باب النسب ما لم يترخصوا في غيره، ويكاد أَكثر هذه الأحوال التي مرت بك تكون خروجاً على القاعدة العامة للنسب حتى ظن بعضهم أن شواذ هذا الباب تعدل مقيسه.

وهم يميلون إلى الخفة في النسب إلى الأعلام لكثرة دورانها على الأَلسنة. وثمة أَعلام غير قليلة لا تنطبق على حالة من الأحوال الاثنتي عشرة التي تقدمت، سموها شواذ النسب، أَرى أَن أُسميها المنسوبات السماعية:

أَموي نسبة إلى أُمية
سلمى نسبة إِلى قبيلة سُلَيْم
بَحراني نسبة إلى البحر
ين
سُهْلي نسبة إلى السَّهل
بَدَوي نسبة إلى البادية
شآمٍ نسبة إلى الشام
براني نسبة إلى بَرِّشعراني (غزير الشعر) نسبة إلى الشعر
بِصري نسبة إلى البَصرة
عَتَكي نسبة إلى عَتِيك
تحتاني نسبة إلى تحت
فوقاني نسبة إلى فوق

تَهامٍ نسبة إلى تهامة
قُرَشي نسبة إلى قريش
ثقفي نسبة إلى قبيلة ثَقَيف
لحياني (عظيم اللحية) نسبة إلى اللحية

جَلولي نسبة إلى جَلولاء (في فارس)
مَرْوَزي نسبة إلى مرو الشاهجان (في فارس)
جواني نسبة إلى جو
مروَروذي نسبة إلى مرو الروذ (في فارس)
حَروري نسبة إلى حروراء
هُذلي نسبة إلى قبية هُذَيْل
دُهْري نسبة إلى الدهر
وحْداني سبة إلى الوحدة
رازي نسبة إلى الريّ (في فارس)
يمانٍ نسبة إلى اليمن
رَقْباني (عظيم الرقبة نسبة إلى الرقبة روحاني نسبة إلى الروح
وقد يتبعون في أكثر هذه الكلمات القواعد المتقدمة وهو الأحكم.

ولا يجوز بحال أن يقاس على هذه الشواذ وإنما تتبع في أَمثالها القواعد المقررة.

خاتمة:

وقع أن استغنوا عن ياء النسب بصوغ الاسم المراد النسبة إليه على أحد الأوزان الآتية للدلالة على شيء من معنى النسبة:

1- فاعل للدلالة على معنى (صاحب شيء) مثل تامر وطاعم ولابسٍ وكاسٍ بمعنى ذي تمر وذي طعام وذي لبن وذي كسوة بدل أن يقولوا تمري وطعامي ولبني وكسوي.

2- فعّال، للدلالة على ذي حرفةٍ ما مثل نجار وحداد وخياط وعطار وبزاز إلخ، ومثل ما أنا ظلام (لا ينسب إليَّ ظلم) أو أي شيء ما وهو أبعد ما يكون عن المبالغة التي تفيدها الصيغة.

3- فَعِل، بمعنى (صاحب شيء) مثل، طَعِم، لَبِس، لَبِن، نَهِر.

4- مِفْعال، بمعنى (صاحب شيء) مثل مِعْطار بمعنى صاحب عطر.

5- مِفْعيل، بمعنى (صاحب شيء) مثل مِحْضِير بمعنى صاحب حُضر (سرعة جرْي).

الشواهد:

1- {وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدٍ}

2- ((أَحرورية أَنت؟!)) السيدة عائشة لامرأة

3- وليس بذي رمح فيطعُنني به...وليس بذي سيف وليس بنبال {امرؤ القيس}

4- إِذا المرَئيُّ شبَّ له بنات...عقدن برأْسه إِبَةً وعارا{مرئي: من قبيلة امرئ القيس، إبةَ: خزي. ذو الرمة}

5- يعد الناسبون إلى معد...بيوت المجد أربعة كبارا

ويخرج منهم المرئيُّ لغواً ... كما أَلغيت في الدية الحُوارا

{الحوار: ولد الناقة. جرير}

6- وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأَنْ لم تريْ قبلي أسيراً يمانيا{عبد يغوث الحارثي}


7- أَلا يا ديار الحي بالسبعانِ ... أَملَّ عليها بالبلى الملوان {ابن مقبل }

8- دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أَنت الطاعم الكاسي {الحطيئة}

9- لست بليلي ولكني نَهِرْ ... لا أدلج الليل ولكن أَبتكر{رواه سيبويه}

10- وغررتني وزعمت أَنك ... لابنٌ في الصيف تامر {الحطيئة}

11- ولست بنحوي يلوك لسانه ... ولكن سليقيٌّ يقول فيعربُ {أبو مروان النحوي}





  النسبة وأحكامها  1109 فياء النسب غير الياء المشددة الأصلية، ويظهر ثمرة ذلك فيما يلي: لو سمينا رجلاً بـ (قماريّ) جمع (قُمري) فاسمه ممنوع من الصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع، فإذا نسبنا إليه حذفنا ياءه المشددة الأصلية فبقي (قمار) مثل (سحاب) وهي مصروفة فإذا ألحقنا بها ياء النسب بقيت مصروفة وهي خارجة عن وزن صيغة منتهى الجموع لأن ياء النسب على نية الانفصال فلا اعتداد بها.

  النسبة وأحكامها  1109 جمهور المؤلفين لا يشترطون العلمية في هذه الأوزان، لكن تتبع ما ورد عن العرب يوحي بهذا الشرط وإذاً تكون النسبة إلى (طبيعة وبديهة وسليقة): (طبيعي وبديهي وسليقي)، على القاعدة العامة.
  النسبة وأحكامها  1109 ومع هذا لابدَّ من مراعاة السماع فقد قالوا: (حضرمي) نسبة إلى حضرموت وكان القياس أن يقولوا حضْري، وقالوا: عبشمي نسبة إلى عبد شمس، وعبدري نسبة إلى عبد الدار، وتيملي نسبة إلى تيم اللات نسبوا عن طريق النحت. ومنهم من يقول بعلبكي ومعديكربي.. ينسب إلى الجزأين معاً مركبين، أو منفصلين: بعلي بكي ومعدوي كربي كما فعل الشاعر حين نسب إلى رام هرمز:

بفضلة ما أعطى الأمير من الرزقتزوجتُها راميةُ هرمزية